نظام "الكوتا" وتمثيلية المرأة في البرلمان: مقاربة لنماذج عربية
الأنشطة : 2008-01-27
الكاتب: الدكتور إدريس لكريني/أستاذ الحياة السياسية، كلية الحقوق - مراكش، المغرب
مقدمة
يعتبر اتخاذ تدابير حقيقية وفعالة على طريق تمكين المرأة سياسيا؛ مدخلا مهما لمعالجة إشكالات ومعضلات سياسية واجتماعية واقتصادية كبرى، وتعتبر المشاركة السياسية إحدى أهم هذه المداخل؛ نظرا لكونها تتيح المساهمة في تدبير الشأن العام والسياسي على وجه خاص بشكل ديموقراطي.
وإذا كانت هذه المشاركة تجد أساسها ضمن مقتضيات الدساتير المحلية والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فإن واقع الممارسة الدولية يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار الحيوية؛ يظل محدودا ولا يعكس كفاءاتها وإمكانياتها...
وأمام ضعف تمثيلية المرأة في المجالس التشريعية والمحلية؛ ابتدعت العديد من الدول منذ عدة عقود خلت تقنية الحصص أو "الكوتا" كتدبير مرحلي لتحسين مشاركة النساء؛ وفي ظل التطورات التي شهدتها الساحة الدولية على مستوى تعزيز حقوق الإنسان وإقرار الممارسة الديموقراطية؛ تزايد الإقبال على هذا النظام في السنوات الأخيرة.
ومحاولة منها لتجاوز مختلف الإكراهات والمعيقات التي تقف حجرة عثرة أمام ولوج المرأة إلى هذه المؤسسات؛ انخرطت بعض الدول العربية بأشكال متفاوتة ومتباينة الأهمية في إقرار هذا النظام.
أولا- الإشكالات الفقهية والقانونية لنظام الحصص(الكوتا)
حظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام محلي وعالمي واسع، بعدما بدأ المجتمع الدولي يعي حجم التمييز والتهميش الذي يطال المرأة؛ ومدى الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات.
وجاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتترجم هذا الاهتمام؛ فاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول / ديسمبر 1979؛ أكدت في مادتها الرابعة على أنه "1- لايعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذى تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع؛ على أى نحو؛ الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة.
2- لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الأمومة، بما في ذلك تلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية، إجراء تمييزيا"(1).
ومن جانبه أوصى الاتحاد الأوربي ضمن أحد تقاريره لسنة 1989 بضرورة اعتماد "الكوتا" كوسيلة لتطوير المشاركة السياسية للمرأة.
كما أن برنامج عمل "بكين" الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة؛ سار في نفس الاتجاه؛ حيث طالب بتعزيز حقوق المرأة والرجل على قدم المساواة في ممارسة العمل السياسي؛ وطالب بضرورة تمثيل النساء بنسبة 30 بالمائة في المجالس البرلمانية والمحلية وفي مختلف مواقع مراكز القرار الأخرى؛ و"مراجعة التأثير المتغير للنظم الانتخابية على التمثيل السياسي للمرأة في الهيئات المنتخبة، والنظر عند الاقتضاء في تعديل هذه النظم وإصلاحها".
ومن جهته أكد تقرير الأمين العام الأممي لسنة 2003 حول تنفيذ إعلان الألفية التابع للأمم المتحدة؛ على ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وجعل الهدف المحدد لعامي 2005 و2015 هو القضاء على التفاوتات بين الجنسين.
وفي السنوات الأخيرة؛ أضحى تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية؛ فبلورة شروط الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الحقيقية لا يتم دون فتح المجال لمشاركة المرأة.
ورغم الجهود المبذولة في هذا الشأن؛ يكاد يجمع الباحثون والمهتمون على أن تمثيلية المرأة في المجالس التشريعية ومراكز القرار الحيوية على الصعيد العالمي التي تظل في حدود 15 بالمائة؛ لا توازي في تطورها ما حققته المرأة من عطاء وخدمات؛ وما عبرت عنه من كفاءات وإمكانيات في شتى المجالات والميادين.
وإذا كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية.. إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالا؛ لا يسمح للمرأة بتحقيق المساواة الفعلية؛ رغم عطائها في مختلف المجالات العلمية والعملية؛ ورغم الضوابط القانونية التي تؤكد على حقوقها في هذا الشأن؛ فإن عددا من الدول ابتدعت سبلا وشروطا قانونية مرحلية؛ حاولت من خلالها تجاوز هذه الإكراهات والمعيقات للانتقال من المساواة القانونية الشكلية إلى المساواة الواقعية الفعلية؛ ومن تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج(2).
ويندرج نظام الحصص أو "الكوتا" ضمن هذا الإطار؛ وهي تقنية تستعمل لتوفير فرصة للفئات الأقل حظا داخل المجتمع، مثل النساء والسود والأقليات(3)..؛ وهي كغيرها من الآليات لها ميزاتها ولها عيوبها، ويتوقف مدى الاستفادة منها على طريقة استخدامها وتوفر الشروط المكملة لها(4).
وتتنوع هذه التقنية بين عدة أصناف: فهناك نظام الحصص المحدث بموجب الدستور(5)؛ ونظام الحصص المحدث بمقتضى القانون الانتخابي؛ وهما معا يسمحان بتنافس النساء على عدد أو نسبة من المقاعد المخصصة؛ ثم نظام الحصص الحزبي الذي يقضي بترشيح نسب محددة من النساء في اللوائح الانتخابية المحلية و/أو البرلمانية؛ ويمكن لهذا الأخير أن يكون اختياريا في سياق توافقي؛ أو إجباريا بموجب نص قانوني.
وقد حظيت هذه التقنية باهتمام ملفت داخل مختلف الأقطار المتقدمة منها والنامية التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية أو الحزبية؛ وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديموقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين؛ على عكس المناصفة الذي يكاد يقتصر تطبيقه على النموذج الفرنسي(6) والقوانين الداخلية لبعض الأحزاب اليسارية في أوربا الغربية، والذي يقضي بالمساواة في التمثيل داخل مختلف المؤسسات ومراكز اتخاذ القرارات بين الجنسين؛ ويعود السبب في ذلك إلى مرونة نظام الحصص(الكوتا) وإلى مراعاته للواقع الاجتماعي والثقافي للدول التي يطبق فيها(7).
وتؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن؛ أن أزيد من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم؛ في كل من إفريقيا(جنوب إفريقيا؛ إريتيريا؛ غانا؛ السنغال؛ رواندا، بوركينا فاسو...) وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين؛ البرازيل؛ المكسيك..) وأوربا (إسبانيا؛ بريطانيا؛ بلجيكا..) وآسيا (بنغلادش، باكستان؛ سريلانكا؛ الفيلبين؛ أندونيسيا...).
وقد استطاعت 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام؛ أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 بالمائة(8)؛ وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة ال20 بالمائة. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها علي 15 بالمائة عن طريق قوائم الأحزاب(9).
وتحظر مقتضيات القانون الانتخابي البلجيكي وجود أكثر من ثلثي المرشحين ضمن لائحة انتخابية من نفس الجنس؛ وهو ما يسمح أوتوماتيكيا بتخصيص حصة الثلث على الأقل للنساء(10).
وفي فرنسا كان موقف المجلس الدستوري حاسما في هذا الصدد؛ حيث اعتبر في قراره الصادر بتاريخ 12 نونبر 1982 بصدد القانون الذي كان يؤسس لنظام الحصص في الانتخابات المحلية أن التمييز الإيجابي هو إجراء ينافي مبدأ المساواة أمام القانون التي تؤكد عليها المادة الثالثة من الدستور؛ والفصل السادس من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ولمفهوم سيادة الأمة الذي يتعارض مع أي تقسيم فئوي للناخبين والناخبات، ويقتضي أن يكون الاقتراع عاما ومتساويا(11). وهو ما قوبل بنقد واسع في أوساط الفقه الفرنسي الذي اعتبره بمثابة تشبث بالمساواة الشكلية على حساب المساواة الفعلية.
أما في آسيا؛ فقررت باكستان بموجب تعديل دستوري؛ ألا تقل نسبة النساء بين المترشحين للبرلمان عن 30 بالمئة؛ ويتميز برلمان تيمور الشرقية بدوره بوجود أكبر نسبة من النساء فيه على مستوى آسيا؛ حيث أدت الانتخابات التشريعية الأولى التي أجريت في البلاد عام 2001 إلى احتلال النساء لثلاثة وعشرين مقعدا في البرلمان المكون من 88 مقعدا أي بنسبة 26.1 بالمئة(12)..
وإذا كانت العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية والدساتير والتشريعات الوطنية قد أكدت على حق المساواة في المشاركة السياسية..؛ فإن الآراء الفقهية بصدد هذه التقنية(الكوتا)؛ تباينت بين متحفظ ومعارض من جهة؛ وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية.
فالاتجاه الأول يعزز مواقفه بمجموعة من المرتكزات والمبررات؛ فهو يرى فيها وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز والمعيقات العلني منها والخفي، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية..؛ كمدخل للانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس ولإنعاش المشاركة السياسية بشكل عام؛ وتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص؛ ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزا ضد الرجل؛ بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها؛ والذي يجسده ضعف أو انعدام حضورها في المشهد السياسي بشكل عام.
فيما يركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح؛ مادام النظام السياسي يضم جماعات ذات مصالح متباينة؛ واعتبارا للقيمة التي يمكن أن يضفيها هذا التمثيل بما يضمن صيانة وتعزيز كرامة المرأة؛ زيادة على كون