الموقع قيد التجريب والتطوير


Al Quds
Al Quds
  

إصلاح التشريع الناظم لتشكيل وعمل النقابات العمالية

فعاليات عمالية ونيابة تطالب الحكومة بإصدار
قانون خاص بالنقابات العمالية

اطلق مركز القدس للدراسات السياسية أمس ورقة سياسات تدعو إلى إصلاح التشريع الناظم  لتشكيل وعمل النقابات العمالية. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده المركز في فندق لاند مارك بعمّان، وتحدث فيه كل عريب الرنتاوي مدير المركز، ومازن المعايطة رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، وعزام الصمادي رئيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة، والنائب المهندس عدنان السواعير  رئيس لجنة العمل والتنمية الاجتماعية في مجلس النواب. ودعا المشاركون إلى ضرورة أن تتقدم الحكومة بمشروع قانون لنقابات العمال إلى مجلس الأمة في دورته العادية الأولى القادمة.

وقال عريب الرنتاوي في مستهل أعمال المؤتمر الصحفي إن التشريعات السارية لا يجب أن تنتقص من الحقوق والحريات الدستورية، كما أن المواثيق الدولية التي صادق عليه الأردن ينبغي أن يتم التعامل معها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من منظومة التشريعات الوطنية، لافتاً إلى أهمية دمقرطة الحركة النقابية العمالية. واضاف بأن هدف وحدة الحركة النقابية العمالية الذي نتطلع إليه، يجب أن نضعه في سياق ديمقراطي واضح، ففي غياب الديمقراطية يمكن أن نتوقع كل أنواع المفاجآت غير السارة.

 وشدّد الرنتاوي على التعددية النقابية باعتبارها حقاً ديمقراطياً مبدئياً، ولكن لها ضوابط ومعايير، ولا يمكن أن يكون الهدف منها  شرذمة الحركة النقابية، أو التعسف في استخدام  هذا الحق. وبالتالي من أجل تفادي الشرذمة يتعين أن تصاغ الوحدة على أسس ديمقراطية. وأكد الرنتاوي أهمية أن تكون الحركة النقابية العمالية بما تمثله من مئات ألوف العاملين فاعلة في الحوار الاجتماعي وفي ضمان العدالة الاجتماعية، والدفاع عن الفئات المهمشة.

وأضاف الرنتاوي لافتاً إلى أهمية وجود حركة نقابية قوية وصلبة، تعزز ثقة القطاع العمالي فيها، وهو ما يتطلب إجراء تعديلات جذرية على قانون العمل والأحكام التشريعية الناظمة لعمل النقابات العمالية باتجاه صياغة إيجاد قانون خاص بنقابات العمال تتقدم به الحكومة إلى مجلس النواب.

وأشار مازن المعايطة إلى دور الحركة العمالية في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي تعبيراً عن ثقل هذه الشريحة وأهميتها الكبرى في المجتمع، وأشاد بدور لجنة العمل النيابية برئاسة عدنان السواعير فيما يخص قانون الضمان الاجتماعي واهتمامها بوحدة الحركة العمالية. واضاف بأننا لا نريد العودة إلى الوراء، بل التطلع إلى المستقبل، وكل مؤسسة كي تنجح ويكون هناك إصلاح يجب أن تتقبل النقد وتستفيد منه. وقال نحن كاتحاد عام لنقابات العمال، لا بد لنا أن نفتح باب الحوار مع زملائنا حتى نضطلع بدورنا على أتم وجه. لافتاً إلى الحوارات التي تمت مع النقابات المستقلة برعاية دولية ومحلية وبرعاية لجنة العمل النيابية ومركز القدس للدراسات، وإلى المبادرة التي تم توقيعها بين الاتحادين، وما تمخض عنها من خارطة طريق لعملهما المشترك.

وشدّد المعايطة على أهمية وحدة الحركة العمالية، معرباً عن أمله بتلقي دعم سائر الفعاليات لتحقيق أهداف الحركة العمالية، ولدعم وإسناد عملية توحيدها ودمقرطتها.

واعتبر عزام الصمادي من جهته، أن هناك سياسة ممنهجة خلال العقود الأربعة الماضية لإضعاف الحركة العمالية، أدت إلى تشويه كامل لعلاقت العمل، وإلى غياب العدالة في هذه العلاقات، ما أدى بحسب تقديره إلى تنامي الاحتجاجات العمالية والتي تركز قسم كبير منها في القطاع العام. وأبدى الصمادي تقديره بأن تهميش الحركة العمالية وغياب الحوار الاجتماعي انعكس ليس فقط على الشركاء الاجتماعيين بل على كل مفاصل الدولة الأردنية.

وأشار في هذا الإطار إلى تهميش دور وزارة العمل التي يرى بأن تكون وزارة سيادية معنية بالأمن الاجتماعي، لأن غياب هذا التهميش لها قد قاد إلى غياب الحوار الاجتماعي، لافتاً أيضاً إلى أن قانون العمل إذا كان مسؤولاً عن التهميش يجب تعديله، وإذا كانت بنية الوزارة مسؤولة يجب تعديلها. واضاف بأن مبادرة الاتحادين انطلقت من الاعتراف بوجود أزمة عنوانها حرية العمل النقابي في القطاعين العام والخاص، وأن الاتحادين اتفقا على عقد مؤتمر وطني لبلورة خطوات الحل لوحدة الحركة العمالية وحرية العمل النقابي وديمقراطيته،  مستخلصاً الحاجة إلى قانون ينظم العمل النقابي العمالي، وخاصة بعد قرار المحكمة الدستورية، وتمنى أن يتم تقديم مشروع قانون في الدورة العادية الأولى القادمة.

وأعرب النائب عدنان السواعير عن ارتباحه لوجود اتفاق على إصلاح العمل النقابي، لافتاً إلى أن المطالب المختلفة تلتقي عند التأكيد على أهمية إيجاد تشريع جديد خاص بالنقابات العمالية، وأوضح بأن يوجد الآن قانون مؤقت رقم 26 لسنة 2010 معدل لقانون العمل لدى لجنة العمل النيابية، وأن هذا القانون المؤقت يلزمنا بالعمل في حدود الأحكام الواردة فيه، ولا يمكن أن ننتقل منه إلى قانون جديد إلا إذا تم رد القانون المؤقت ووافقت الحكومة على تقديم مشروع قانون متكامل. وهذا المسار لا يمكن اعتباره سالكاً لأنه حتى لو تم رد القانون، فإنه سيذهب عندها إلى مجلس الأعيان. وأضاف بأن جلالة الملك أكد في افتتاح الدورة غير العادية على الحاجة إلى قانون عمل عصري. وقال إن أقصر طريق لإصدار قانون خاص بالنقابات العمالية هو أن تبادر الحكومة إلى إرسال مشروع قانون لمجلس الأمة.

ورقة السياسات:
تناولت ورقة السياسات المعطيات التي أدت إلى الأزمة الراهنة التي تمر بها الحركة النقابية العمالية. والتي تتمثل من ناحية في أحكام قانون العمل الناظمة لتشكيل وعمل النقابات، حيث تتسم هذه الأحكام  بكونها غير  ديمقراطية وتمنع تأسيس نقابات جديدة حيث تحصرها بسبع عشرة نقابة، وتقيّد عمل وتطور النقابات العمالية القائمة، علاوة على عدم مراعاتها لاتفاقيات العمل الدولية .

ويتمثل الوجه الآخر للأزمة، في أوضاع الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن الذي عمل خلال العقدين الأخيرين على تعديل نظامه الداخلي وأنظمة النقابات الأعضاء في اتجاهات تعزز احتكار القيادة الحالية لتمثيل الحركة النقابية العمالية، وتحد من توسع حجم عضوية النقابات، وتحول العملية الانتخابية إلى  عملية شكلية لدى معظم النقابات الأعضاء، من خلال التجديد للقيادات بأسلوب التزكية وليس التنافس.

وبينت الورقة أنه قد تمخض عن ذلك، انقسام في الحركة النقابية، وولادة تنظيمات جديدة خارج إطار النقابات القائمة، تحمل مسمى نقابات عمالية مستقلة. وترى النقابات المستقلة في أحكام الدستور واتفاقيات العمل الدولية مسوغاً لشرعيتها برغم عدم استجابة وزارة العمل لطلب ترخيصها قانونياً. 

وتهدف ورقة السياسات إلى بلورة الحل المناسب الذي يجمع ما بين إصلاح التشريع الخاص بتنظيم العمل النقابي العمالي بما يكفل احترام الحق في التعددية النقابية وحماية حرية العمل النقابي، وما بين توفير شروط وحدة الحركة النقابية العمالية على أسس ديمقراطية.

عرض المشكلة:
لقد أدى المنحى الذي اختطته النقابات العامة لنفسها، في ظل الميول الحكومية لفرض هيمنتها على الحركة النقابية العمالية، والإبقاء على الأحكام غير الديمقراطية الناظمة لتشكيل وعمل النقابات برغم تعارضها مع المواثيق والعهود الدولية واتفاقيات العمل الدولية، إلى حراك عمالي باتجاه إنشاء نقابات عمالية جديدة أطلق عليها اسم "مستقلة" للتفريق بينها وبين النقابات "الرسمية" القائمة.

إن معالجة الاستعصاءات المشار إليها يتطلب اعتماد توجه لإصلاح واقع النقابات العمالية والتشريع الناظم لعملها، بالاستناد إلى جملة مبادىء، أهمها:

- الاعتراف للعمال بحق التعددية النقابية دون تمييز.

- توسيع قاعدة النقابات العمالية بإباحة حق إقامة النقابة على مستوى المنشأة، وليس فقط على مستوى المهنة أو الصناعة، والسماح بإنشاء الفروع النقابية حيثما تجد النقابات حاجة لذلك.

- عدم جواز الترشح لمنصب رئيس نقابة عمالية لمن شغل هذا المنصب خلال دورتين متتاليتين إلا بعد مرور دورة انتخابية جديدة على الأقل.

ولعل الحل الأمثل لمعالجة مشكلة الحرية النقابية بما يكفل التعددية النقابية وحق العاملين في القطاعين العام والخاص بإنشاء نقاباتهم هو المصادقة على اتفاقية العمل الدولية  رقم (87).

وتضمنت ورقة السياسات بديلين، تمثل الأول في الاتفاق بين الاتحاد العام واتحاد النقابات المستقلة، وتمثل الثاني في التوجه نحو إصدار قانون خاص بنقابات العمال، وذلك على النحو التالي:

البديل رقم (1): الاتفاق بين الاتحاد العام واتحاد النقابات المستقلة
يستند هذا البديل إلى الاتفاق المعلن بتاريخ 23 أيار 2013 بين الاتحاد العام لنقابات العمال وبين اتحاد النقابات العمالية المستقلة. فقد عقد الجانبان اجتماعاً ضم رئيس الاتحاد العام مازن المعايطة ورئيس اتحاد النقابات المستقلة عزام الصمادي، وتوصل الجانبان إلى اتفاق للتعاون لتوحيد جهود الحركة العمالية الأردنية وتنظيم العمل النقابي في المملكة، وفق المبادىء التالية: وحدة الحركة النقابية العمالية، حرية العمل النقابي في القطاعين العام والخاص، ديمقراطية العمل النقابي، توسيع قاعدة العمل النقابي، وتعزيز دور الحركة العمالية الأردنية.  واعتمد الاتفاق الآلية التالية لتحقيق أهدافه:
- الطلب من وزير العمل دعوة اللجنة الثلاثية لشؤون العمل للانعقاد لتشكيل لجنة فنية موسعة تضم خبراء محليين ودوليين لإعادة النظر بالتصنيف المهني للنقابات العمالية.
- هيكلة التنظيم النقابي.
- وضع مسودة قانون ينظم العمل النقابي في الأردن.
- الدعوة لعقد مؤتمر وطني يشارك فيه كافة الشركاء الاجتماعيين وبحضور منظمات دولية معنية كمنظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات وأي منظمة دولية ذات صلة ومنظمات المجتمع المدني وذلك من أجل الخروج بتوصيات تضع أسساً ومبادئ لتحقيق الأهداف السابقة.

البديل رقم (2): إصدار  قانون خاص بنقابات العمال
هناك ميل متزايد من قبل الحركة النقابية العمالية للدعوة لإصدار قانون منفصل لنقابات عمال الأردن يشتمل على جميع الأحكام التي تنظم تشكيل وعمل نقابات العمال. ويؤيد هذا التوجه خبراء عديدون باتفاقيات العمل الدولية.

ويتميز هذا التوجه بأنه يجمع كل ما له صلة بحق بقضايا التنظيم النقابي في تشريع واحد خاص بهذا الشأن، ما يساعد على ضمان درجة أعلى من الإنسجام بين أحكام القانون، وسهولة أكبر في تعبئة وتثقيف العمال به. عدا عن كون هذا التوجه يشكل فرصة لمراجعة سائر الأمور المتعلقة بالتنظيم النقابي مرة واحدة، ومراعاة البعد الإصلاحي الذي يكفل للقانون أوسع مدى زمني من الاستقرار التشريعي.

على صعيد آخر، فإن أية تعديلات أو تطويرات على التشريع النقابي العمالي، ينبغي أن تراعي ضرورة الأخذ بالمنظور الإصلاحي الراهن للدولة الأردنية، والذي وجد أحد أبرز تجلياته في التعديلات الدستورية لعام 2011. ولعل هذا يتطلب مراجعة شاملة ذات مضمون إصلاحي للتشريع الخاص بنقابات العمال، والالتزام بمنطوق المادة الدستورية الجديدة رقم (128)، والذي ينص على عدم جواز  أن يؤثر  القانون الذي يصدر بموجب الدستور  لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو يمس أساسياتها.

التوصيات:
دعت ورقة السياسات إلى اغتنام فرصة وجود قانون العمل المؤقت رقم 26 لسنة 2010 المعدِّل لقانون العمل على جدول أعمال لجنة العمل والتنمية الاجتماعية النيابية، من أجل إصدار قانون خاص بالتنظيم النقابي العمالي منفصل عن قانون العمل، على أن يجسد هذا القانون الحق الدستوري بتأليف النقابات، ولا يتعارض مع اتفاقيات العمل الدولية وفي مقدمتها العهدان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية رقم (98)،
وإذا ما حالت أية ظروف دون تلبية هذه المهمة الإصلاحية، اقترحت الورقة أن يبادر 10 نواب باقتراح قانون خاص بالتنظيم النقابي العمالي، وكسب تأييد العدد اللازم لتأييده في المجلس، مقترناً بتحديد القضايا المحورية التي يتعين أن يشتمل عليها القانون كي تأخذ بها الحكومة لدى صياغة مشروع القانون.